رشدي بلقاسمي يرقص للإيروسية وللجنسانية في الإسلام

« الرقص وسيلة مقاومة »، هكذا يرى رشدي بلقاسمي فنّه، الذي يمارسه منذ سنوات عديدة. بعروض متعدّدة وبمرجعيات تاريخيّة وفنيّة منتقاة من الموروث الثقافي التونسي، يسعى بلقاسمي إلى تغيير النظرة المحقّرة للجسد، ويطمح إلى تطوير العقليات من خلال مصالحة الجمهور التونسي والعربي عموماً مع فنّ ظلّ مهمّشاً لعقود طويلة. في هذا الحوار مع رصيف22، يحدّثنا الراقص الشاب عن بداياته وتفاصيل عروضه، ويسلط الضوء على وضعيّة الراقص في العالم العربي. كيف بدأت رحلتك مع الرقص؟ بدأت الرحلة في سنّ العاشرة تقريباً. على العموم، في هذا العمر بدأت أفهم ما أقوم به، ربما كانت البداية من سنّ أصغر بكثير، ولكنني لا أذكر التفاصيل. كنت محاطاً بمجموعة من النساء الموهوبات، اللاتي يقدرن الفنّ وأقصد هنا أمي وعمتي وخالتي. قضيت طفولتي معهن في جوّ نسائي خاصّ. لم تكن هناك حدود، كنّ يغتنمن أيّ فرصة لإبراز مفاتن أجسادهنّ من خلال رقصات متعدّدة كما كنّ بارعات في الغناء. ترعرعت في هذا الجوّ، كنت ألاحظ تفاصيل هذا العالم النسائي الفريد، من خلال وجودي على الدوام في حلقاتهن الضيّقة، ولكن كنت أيضاً موضوع أحاديثهن في كثير من الأحيان، بتعليقات مثل « أنظروا رشدي كيف يرقص »، هذه الجملة سمعتها مراراً وتكرّرت بنبرة فخر واعتزاز. كانت هذه الحلقات النسائيّة أوّل لقاء لي مع الرقص. ومع مرور السنوات، قررت الالتحاق بنوادي المسرح والرقص. ثم تنامت الموهبة وازداد الولع بهذا الفنّ. تعرضت لمشاكل في البداية، أهمّها أن بنيتي الجسديّة ضعيفة، فعملت على تطويرها وتحسينها ليكون جسدي في مستوى تطلعاتي. هل من السهل أن تكون راقصاً في مجتمعاتنا؟ للأسف، كان من الصعب أن أفرض مكانتي كراقص وأجعل من الرقص مهنتي. المشكلة تاريخيّة بالأساس، فالرقص في الخيال الشعبي يحتلّ مكانة دونيّة ويمثّل صورة سيّئة في مجتمعنا، الذي أصبح محافظاً أكثر مما كان عليه في الماضي. لم نعد نكترث للحياة، وكلّ ما يتعلّق بالمتعة واللهو والجمال نصنّفه في خانة الحرام والخطيئة. في الموروث الإسلامي، يُعدّ الراقص أو الراقصة شخصاً خارجاً عن المألوف، ومارقاً لا يطبّق الشرع، لذلك ثمّة رابط عجيب ومضحك بين الرقص والدعارة والفحش في أذهان العامّة. شخص يرقص هو شخص يجلب الانتباه، يحرج المجتمع ويتحوّل إلى موضوع نقاش. مهمّته الأساسيّة هي التغريد خارج السرب وإغراء الآخر بالرقص. من يرقص يخيف من يعاني من عقد ومشاكل مع جسده ومع الآخر المختلف. أنا واعٍ لخطورة ما أقّدمه، خصوصاً عندما أقتحم مواضيع تصنّف تابوهات، كالجنسانيّة في الإسلام، مسألة النوع، الإيروسيّة، التحوّل الجنسي، تجارة الجنس وغيرها من المواضيع. ذه اختيارات مدروسة، لأنّ الرقص يجب أن يخرج من قوالبه الجاهزة التي تحدّه، ليتحوّل إلى المواضيع الجادّة والعميقة. أنا أواجه مشاكل على عدّة مستويات، لأنني أستخدم جسدي لأقلق الآخر وأحثّه على إعادة التساؤل عن معنى ما يعتقد فيه من ثوابت. وضعيّة الراقص في مجتمعاتنا صعبة، لأنّ مهمّته كسر كلّ الثوابت ومحاربة الدوغمائيّة. من هم الراقصون الذين هم مثلك الاعلى؟ حافظ ضو وعيشة مبارك، وهما راقصان مقيمان في بلجيكا. هناك أيضاً سيدي العربي الشرقاوي. في تونس، والعديد من العمالقة كزهرة لمبوبة وحمادي اللغبابي وزينة وعزيزة. في عروضك تصرّ على مسألة الجسد وعلاقة المجتمعات المحافظة بالمرأة. لماذا؟ كما أخبرت سابقاً، ولعي بالرقص كان بفضل مجموعة من النساء في العائلة، وتكوّنت ودرست عند راقصات مهمات مثل نوال إسكندراني وخيرة عبيد الله. لذلك الرقص بالنسبة إلي فنّ أنثوي، إن صحّت التسمية، فمهما كان جنس الراقص يظل ذلك الجانب الأنثوي هو الطاغي، وهذا ما يمثّل رونق فنّ الرقص. أضع جسد المرأة في عروضي لأنني مساند للقضايا النسويّة. نبدأ بالحديث عن عروضك بالتفصيل. في عرض جسد مهووس (2012)، نفحات نيتشويّة تدعونا للاحتفاء بالجسد وإعادة مساءلة ذواتنا. أليس كذلك؟ ضياء البوسالمي الجمعة 29 سبتمبر 201707:35 م « الرقص وسيلة مقاومة »، هكذا يرى رشدي بلقاسمي فنّه، الذي يمارسه منذ سنوات عديدة. بعروض متعدّدة وبمرجعيات تاريخيّة وفنيّة منتقاة من الموروث الثقافي التونسي، يسعى بلقاسمي إلى تغيير النظرة المحقّرة للجسد، ويطمح إلى تطوير العقليات من خلال مصالحة الجمهور التونسي والعربي عموماً مع فنّ ظلّ مهمّشاً لعقود طويلة. في هذا الحوار مع رصيف22، يحدّثنا الراقص الشاب عن بداياته وتفاصيل عروضه، ويسلط الضوء على وضعيّة الراقص في العالم العربي. كيف بدأت رحلتك مع الرقص؟ بدأت الرحلة في سنّ العاشرة تقريباً. على العموم، في هذا العمر بدأت أفهم ما أقوم به، ربما كانت البداية من سنّ أصغر بكثير، ولكنني لا أذكر التفاصيل. كنت محاطاً بمجموعة من النساء الموهوبات، اللاتي يقدرن الفنّ وأقصد هنا أمي وعمتي وخالتي. قضيت طفولتي معهن في جوّ نسائي خاصّ. لم تكن هناك حدود، كنّ يغتنمن أيّ فرصة لإبراز مفاتن أجسادهنّ من خلال رقصات متعدّدة كما كنّ بارعات في الغناء. ترعرعت في هذا الجوّ، كنت ألاحظ تفاصيل هذا العالم النسائي الفريد، من خلال وجودي على الدوام في حلقاتهن الضيّقة، ولكن كنت أيضاً موضوع أحاديثهن في كثير من الأحيان، بتعليقات مثل « أنظروا رشدي كيف يرقص »، هذه الجملة سمعتها مراراً وتكرّرت بنبرة فخر واعتزاز. كانت هذه الحلقات النسائيّة أوّل لقاء لي مع الرقص. ومع مرور السنوات، قررت الالتحاق بنوادي المسرح والرقص. ثم تنامت الموهبة وازداد الولع بهذا الفنّ. تعرضت لمشاكل في البداية، أهمّها أن بنيتي الجسديّة ضعيفة، فعملت على تطويرها وتحسينها ليكون جسدي في مستوى تطلعاتي. هل من السهل أن تكون راقصاً في مجتمعاتنا؟ للأسف، كان من الصعب أن أفرض مكانتي كراقص وأجعل من الرقص مهنتي. المشكلة تاريخيّة بالأساس، فالرقص في الخيال الشعبي يحتلّ مكانة دونيّة ويمثّل صورة سيّئة في مجتمعنا، الذي أصبح محافظاً أكثر مما كان عليه في الماضي. لم نعد نكترث للحياة، وكلّ ما يتعلّق بالمتعة واللهو والجمال نصنّفه في خانة الحرام والخطيئة. في الموروث الإسلامي، يُعدّ الراقص أو الراقصة شخصاً خارجاً عن المألوف، ومارقاً لا يطبّق الشرع، لذلك ثمّة رابط عجيب ومضحك بين الرقص والدعارة والفحش في أذهان العامّة. شخص يرقص هو شخص يجلب الانتباه، يحرج المجتمع ويتحوّل إلى موضوع نقاش. مهمّته الأساسيّة هي التغريد خارج السرب وإغراء الآخر بالرقص. من يرقص يخيف من يعاني من عقد ومشاكل مع جسده ومع الآخر المختلف. أنا واعٍ لخطورة ما أقّدمه، خصوصاً عندما أقتحم مواضيع تصنّف تابوهات، كالجنسانيّة في الإسلام، مسألة النوع، الإيروسيّة، التحوّل الجنسي، تجارة الجنس وغيرها من المواضيع. هل الرقص الشرقي يمكن أن يزاوله الرجال أيضاً؟ تاريخ الرقص: هل يكشف لنا لماذا نصلي بهذا الشكل؟ الرقص في دمنا… هل نعرف اليوم أن الرقص جزء حميمٌ من ثقافتنا العربية؟ لكل « هزة خصر » معنى ومغنى… هكذا أذابت رائدات الرقص الشرقي جمهوراً عربياً بأكمله هذه اختيارات مدروسة، لأنّ الرقص يجب أن يخرج من قوالبه الجاهزة التي تحدّه، ليتحوّل إلى المواضيع الجادّة والعميقة. أنا أواجه مشاكل على عدّة مستويات، لأنني أستخدم جسدي لأقلق الآخر وأحثّه على إعادة التساؤل عن معنى ما يعتقد فيه من ثوابت. وضعيّة الراقص في مجتمعاتنا صعبة، لأنّ مهمّته كسر كلّ الثوابت ومحاربة الدوغمائيّة. من هم الراقصون الذين هم مثلك الاعلى؟ حافظ ضو وعيشة مبارك، وهما راقصان مقيمان في بلجيكا. هناك أيضاً سيدي العربي الشرقاوي. في تونس، والعديد من العمالقة كزهرة لمبوبة وحمادي اللغبابي وزينة وعزيزة. في عروضك تصرّ على مسألة الجسد وعلاقة المجتمعات المحافظة بالمرأة. لماذا؟ كما أخبرت سابقاً، ولعي بالرقص كان بفضل مجموعة من النساء في العائلة، وتكوّنت ودرست عند راقصات مهمات مثل نوال إسكندراني وخيرة عبيد الله. لذلك الرقص بالنسبة إلي فنّ أنثوي، إن صحّت التسمية، فمهما كان جنس الراقص يظل ذلك الجانب الأنثوي هو الطاغي، وهذا ما يمثّل رونق فنّ الرقص. أضع جسد المرأة في عروضي لأنني مساند للقضايا النسويّة. نبدأ بالحديث عن عروضك بالتفصيل. في عرض جسد مهووس (2012)، نفحات نيتشويّة تدعونا للاحتفاء بالجسد وإعادة مساءلة ذواتنا. أليس كذلك؟ بالضبط، هذا العرض بحركاته المتوتّرة والإضاءة الخافتة والجو القاتم، كان وسيلة لوضع المتلقي أمام حتميّة الاحتفاء بالجسد عبر التأمل في أسراره، وما يخلّفه ذلك من حالة قلق وجودي، أحاول قدر الإمكان أن أجسّدها على الركح. إرباك المشاهد وجعله في وضعيات يتساءل معها عن قناعاته يبرزان أيضاً في عرض « الزوفري » (2013)؟

ضياء البوسالمي
29-09-2017